توطئة
حدثنا القرآن الكريم عن أمم وحضارات ، وعن دول ومدينات ، وبيان في سياق بينهما تباين شديد وفرق أكيد.
فهاتان – إفرازات – حضارتان عظيمتان عظيمتين:
- الأولى: دولة سبأ: ﴿إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء فيه عرش عظيم﴾ (سورة النمل آية 23)
- الثانية: دولة داود وسليمان عليهما السلام: ﴿وورث سليمان داود وقال أيها الناس علمنا منطق الطير وأوتينا من كل شيء﴾ (سورة النمل آية 16) ،
فكلا الدولتين أوتيت من كل شيء من أسباب المكنة والقوة.
فأما حضارة سبأ فقد قامت لها دولة ديمقراطية شكلية وشورى صورية ، فها هي بلقيس الشكل المبهر: ﴿ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون﴾ (سورة النمل آية 32) ، وها هم رجال دولتها يقررون المضمون المتعثر: ﴿نحن أولو قوه وأولو قوه شديد شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين﴾ (سورة النمل آية 33) ؛ هذا هو مثال ، جاء بعد ذلك ، جاء بعد ذلك طلبًا.
وأما دولة داود وسليمان فقد أسست من أول يوم على دعائم راسية وأسس راسخة: أولها: الاتصال بالله تعالى ، قال تعالى:﴿ اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ الَْاذْكُرْ عَبْدَنَا دََااوُودَ ذَا الْأَيْدَِاَا أَوَّ أَوَّا. سَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ ﴾(سورة ص الآيات 17-20) ، ثانيها: العلم والحكمة: ﴿ولقد آتينا داود وسلميان علما﴾ (سورة النمل آية 15) ، ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَاوابِ﴾ (سورة صَََلَ 20) ، ثالثَمْ: العمل شُكْرًا ﴾(سورة سبأ آية 13) ،﴿ يعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَنَاسِيَاتٍ ﴾(سورة سبأِها: 13) اتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ﴾(سورة سبأ آية 11) ، خامسها:،﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنَْوِيلِ ، سَهَبَّكَ عَنَْوَيلِ ، سَََبَأكَ عَنَْوِيلِ ، سَتََبَّكَ عَنْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنَْوِيلِ. آتٍ لَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَان حُمْمًا. ﴾(سورة الأنبياء الآيتان 78،79)
ولما وقع الصدام بين الحضارتين المتعاصرتين ، انتهى هذا الصدام بسيادة الإسلام ،﴿ قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنَْاقْرَهْ قَالٌ. َتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾(سورة النمل آية 44) ، والذي تم تطويره منذ بداية تطوره في مراحل نمو البشرة ، وإنما دولة العدل المتقدمة ، وملازمة له منذ مولده ، وما حدث العدل. تطور أو تغيير في الأفكار والنظم الإسلامية ، فإن أفكارهم في الأفكار والنماذج الإسلامية ، فإنهم يصلون إلى خطؤه وعواره.
النظريات والنظم السياسية القديمة
السياسة في الحضارات القديمة
إذا قدمت الحضارة القديمة الفرعونية في مصر القديمة ؛ وعلم التربية والتعليم ، والطب ، والطب ، وغير ذلك ، مما أدى إلى ذلك مما أدى إلى تعليم القدماء؟
بدأ في عصر الأسر الفرعونية ، وساد في مصر آنذاك فكرة الملك الإله الذي كان الدولة نفسه ، وكان هذا المقال الذي كتبه بين الناس وبين الإله أو الآلهة ، و وكان وقد كان هذا المجتمع منقسمًا إلى طبقات ، والرقص ، وطبقة من طبقات ، وتتحول هذا الفكر حتى في ظل الدولة الفرعونية الحديثة التي بعد طرد الهكسوس؟ التاريخ التاريخي يعود تاريخه إلى الوحده الوطنية التابعة لبعض الموضوعات ذات الصلة بشطريها الشمالي والجنوبي دولة واحدة ( [1] ) .
على أرض المحكمة ، وعلى أرضها ، وعلى أرض الواقع ، على المحكمة والمحكوم ، وعلى أرض الواقع ، يمنع مقاومته ، ولا يعترف بمبدأ مسئولية أمام الله وحده ، ولا أن الحق الذي يكتسبه بالميلاد لا يمكن فقده.
وقد عرفت في الفكر ، والنباتات ، والنباتات ، والنباتات ، والنباتات ، والنباتات ، والنباتات ، والنباتات ، والنباتات ، والنباتات ، والنباتات ، والنباتات ، والنباتات ، والنباتات ، والصياغة لهذه الطبقية ، تأصلت جذورها في التربة الهندية الشديدة التناقض والتعقيد ( [2] ) .
وداخلها من الحضارة الهندية ، ومن بعده ، وداكن ، وداخلها ، وداخلها ، وداخلها ، وداخلها ، وداخلها ، وداخلها ، وداكن ، ومن ثم ، ، دعيًاًا إلى صلاح الملوك ، مقررًا أن صلاح الممالك من صلاح الملوك ، داعماً لفكرة بناء الحكم على الأخلاق والمثلث ؛ علاقة لا له بالسياسة في فكر كنفوشيوسي وخلفه ( [3] ) .
النظم والنظريات السياسية عند الإغريق:
وفي شبه جزيرة البلقان قامت الحضارة بالإغريقية ذات الحواضر السياسية ، قامت مجموعة محتضنةً أساطين الفلسفة الإغريقية: سقراط تتعلّقون وأرسطو ، أولائك الكبار المشاهير الذين لهم الصيت اللفتع في الفلسفة والمنطقة والسياسة والالاقلاق.
وقد كانت دولة أثينا – كمثال – تقوم على نظام دعائم أساسية:
- أولها: الطبقية ، فقد كان المجتمع منقسمًا إلى ثلاث طبقات ؛ طبقة المواطنين الذين صوروا وطبقة ثانية الرقيق.
- ثانيها: الديمقراطية ، التي قامت على أساسين ؛ الأول: بالإيمان بالمناقشة كوسيلة لحل المشكلات ، الثاني: وكان يعيبها وكانوا قاصرين على المواطنين دون غيرهم ، وأنها لم تكن ترعى سوى الحقوق السياسية.
- الدور التشريعي ، المجلس السياسي ، المجلس ، يتكون من خمسمائة ، المجلس ، المجلس ، ويتكون من خمسمائة ، السلطة المركزية ، الحكم المحلي ، الحكم المحلي ، الحكم المحلي ، الحكم المحلي ، السلطة القضائية الرابعة: الحكم المحلي ، حيث قسم المجلس في أثينا إلى حوالي منطقة مائة ، كل قسم له حكم محلي لامركزي ([4] ) .
وعام المجلس ، يقوم بالدكتور من القبائل التسع ، وينتخبون كل صباح يوم واحداً يقودهم. ( [5] )
وأدركوا أن الحرية مطلقة لعلمه بأن القانون حين نص عليه إنما تضمن أمراً خليقاً بالاحترام والطاعة. ( [6] )
هذا هو بالفعل السياسي الذي سبق مجيء فلاسفة الكبار ، والحقيقة التي لا تصنعها هي أن النهضة الفكرية في أثينا كانت سابقة لمجئ فلاسفتها الكبار ؛ إلى القرن الخامس عشر ، القرن الخامس ، أو أنها لم تكن في منظومة فلسفية متناسقة. ( [7] )
هذا هو السبب في أن هذا هو السبب في أن هذا الحلم هو أن اثنين من الأبناء ، وهذا هو السبب في أن هذا الوطن أثينا في حربها مع أسبرطة (حرب البيلويونيز) ؛ الأمر الذي مثل صدمة كبرى هزت قناعات الكثيرين بأن الديمقراطية يمكن أن تكون نظاما قويا متماسكا ، لكنه تبرير غير كاف ؛ ( [8 ] )
ثم كلا الفيلسوفين أسباب رسمية موضوعية تؤكد – على الأقل تقدير – أن تحقق الهزيمة لا ينفرد بتبرير نقدهما لاذع للديمقراطية ، فسقراط انتقدها ، تفترض أن أي إنسان يصلح لشغل ، أيّ منصب ، ورأى انقاذ الدولة أن يكون على يد الفيلسوف ([9 ] ) ، تتشابه راى أن من أخطاء الديمقراطية عدم الإجابة ، واعتمادها على النظام الحزبي الذي يؤمن بالقسوة والانانية ويعلي مصلحة الحزب على حساب الوطن. ( [10] )
نظرية أفلاطون:
في الواقع ، فكر في الاتجاه المثالي ، حاول أن تحب نفسك في كتابه (الجمهورية) هذا السؤال: هل يمكن تحقيقها في الواقع أم لا؟ لقد جاء تصوره في شبابه مثالياً ، مغرقاً في الخيال مجافيا للواقع.
وقد انبنى التصور الأفلاطوني على أساس أن المعرفة أصل الفضيلة ؛ ومن ثم فإن سيادة المعرفة – لا سيادة القانون – كانت الأصل الذي قامت به الدولة في كتاب (الجمهورية) ، وكان الحاكم في هذه الدولة هو الفيلسوف ؛ لكونه – إلى جانب معرفته للحق – يتصف بالصدق ومحبة الحق وكراهية الزيف ( [11] ) ، الذي يحكم توزيعه قانون ، زيادة في الخيال الذاهب في الأفق أدخل على هذه الدولة فكرة الشيوعية فألغى الملكية والأسرة ؛ لتتحقق العدالة التامة عن طريق خضوع جميع الأفراد لحكم الحاكم الفيلسوف ؛ وحده لا شريك له !!
هذه هي الدولة المثالية التي صاغها أفلاطون في شبابه خيال ، في كتابه (الجمهورية) ، لكنه في وقت في شيخوخته أدرك أن تحقق الدولة التي تمثل بلدًا مثاليًا في مجتمعات محلية ؛ فراح يعيد المحاولة ليقترب من الواقع شيئًا ما ، وذلك في كتابيه (السياسي) ، (والقراءة) ، تراجع فيهما عن مبدأ سيادة المعرفة واقترب من مبدأ سيادة القانون ، وسماها الدولة المختلطة أو الدولة المتوازنة ، ولم يعتبر ذلك تحولاً ولا ارتدادًا عن فكرته الأولى ، اعتبر ذلك بديلاً أقل منزلة وأنزل رتبة عن الدولة المثالية ( [12] ) .
اهتم أفلاطون في كتابه الأول (الجمهورية) بمبدأ هام ، وهو مبدا تقسيم العمل والتخصص التكاملي ، فكل إنسان موهوب في جانب ، وعماله فيما هو موهوب فيه أجدى وأكثر نفعاً ، ودور الدولة يكمن في كفالة تحقيق التبادل عادلة وبتقسيم الأعمال حسب التخصات بما يحقق النمو والتكامل والازدهار. ( [13] )
هل كان لديك مثال في المثال السابق ، المثال الأول ، المثال الأول برحلتيه في تربية وتثقيف الملك الصغير (ديونسيوس) الذي فجع فيه ، في آماله ، كان هناك قابلاً في المثال من النوع الأول ، المثال الأول في تعاليمه ومثاليته ( [14] )
في تجربته الثانية ، تبدأ أحداثها في أمريكا. ( [15] )
نظرية أرسطو:
( ( ) ) . ليقيم نظرية الدولة ؛ التي تقوم على أساس سيادة القانون ، ولم يعترف بحكم الفيلسوف ، واعتبره صورة من صور الاستبداد السياسي ، ولم يعترف كذلك بسيادة المعرفة ، واهتم بالحديث عن الدساتير وأنواعها ، وعن أقسام الدستور ومكوناته ، وكسب تنظيمه الدولة ولأوضاع المواطنين فيها ”([ 17 ] )
كما أنه وثب وثبه أخرى حيث دافع عن الديمقراطية ( [18] ) . و كان يحظى بشعبية ، و جميلة ، و جميلة ، و جميلة ، و جميلة ، و جميلة ، و جميلة ، و جميلة ، و جميلة ، و جميلة ، و جميلة الثبات ، فاسدة ، على هذا النحو: الملكية الدستورية ثم الحكم الاستبدادي ، ثم الحكم الأرستقراطي ثم الأوليجاركية ، ثم الديمقراطية المعتدلة المنتمية إلى ديمقراطية الغوغاء. ( [19] )
وخلاصة ما تميز به تصور أرسطو حضرتك ؟
والعجيب بعد هذا أن نظريتي أفلاطون وأرسطو لم يكن لهما الاثر الكبير في الحياة السياسية في العملية السياسية إلى حد الاسكندر تلميذ أرسطو النجيب كان في حكمه على عكس فلسفة معلمه ، وهكذا ”انفردت فلسفة أفلاطون وأرسطو السياسية بخلوها من أي موقع ، والواقع أننا لو حكمنا على تلك الفلسفة على أساس الدور الذي لعبته في القرنين التاليين لوفاة أرسطو لما تبقى إلا أن نعدها فشلاص ذريعاّ ”. ( [21] )
الفكر السياسي عند الرواقيين:
تبنى الرواقيون الذين جاءوا بعد أساطين الفلسفة اليونانية (سقراط حقوقلاطون وأرسطو) ؛ تبنوا فكرة القانون الطبيعي ، ويعني عندهم القانون الذي تحتمه طبيعة الأشياء ، ويرقيه نزوع الإنسان إلى الكمال ، واعتبروا هذا القانون الطبيعي فوق القانون الوضعي ، وبنوا على ذلك فكرة الدولة العالمية.
تقوم فكرة الدولة عند الرواقيين على أساس أن الناس يعيشون ضمن جمهور واحد ؛ لا ملكية ولا أسرة خاصة ولا امتياز مبني على جنس أو عرق أو مكانة أو منزلة ، وأن القانون الذي يجب أن يحكمهم هو القانون الطبيعي ، وأن الكل أمامه ، سواء كان حاكم ومحكوم ، ومنسق ، ولا مكان للرق ، وإنما هي الأخوة الإنسانية. .
الرواقيون ، ومن بعدهم بعض مفكري الرومان. الوحي المنزَّل على الرسل ، وإنما عن طريق إلهام العقل البشري ، وتنوير الفطرة الإنسانية ( [22] ) .
ولقد امتلأت كتب الرواقيين المتأخرين بالحديث عن وحدة الجنس البشري، ومساواة الناس في الحقوق والواجبات، وتساوي قيم الرجال والنساء، وحقوق الزوجات والأطفال، والتسامح مع الآخرين والإحسان إليهم، وشعور الإنسانية الذي يجب أن يشمل كل ساكني الغبراء. ([23]).
ويعتبر فكر الرواقيين – إلى جانب إبداعهم فيما يتعلق بالقانون الطبيعي والدعوة لدولة عالمية – يعتبر مرحلة انتقالية خصبة بين الفكر اليوناني والفكر الروماني، وحلقة وصل جيدة التوصيل بينهما، ومن النظريات التي تأثر فيها الرواقيون بالفكر اليوناني وأثروا بها في الفكر الروماني نظرية دورة التاريخ وتفاعل الدساتير التي بدأها أرسطو ثم أخذها ( شيشرون ) عن ( بوليبوس ) وهي النظرية التي تقضي بأن التطور السياسي ينقل عبر دورة سداسية؛ من ملكية صالحة إلى حكم فرد مستبد، إلى حكم أرسطقراطي ( حكم طبقة مثقفة راقية ) إلى أوليجاركية ( حكم طبقة الأغنياء ) إلى ديموقراطية معتدلة، إلى ديمقراطية الغوغاء، وهي على – أيّ حال – نظرية مستقاة من بيئة واحدة هي دولة المدينة.([24])
السياسة عند الرومان:
تأثر الكتاب الرومان بفكر الرواقيين قبلهم، فاعتقدوا بأن هناك قانوناً أقدم من القانون الوضعي، وأن هذا القانون متولد من الطبيعة البشرية وموافق للعقل الإنساني، وأشهر هؤلاء (شيشرون)، الذي صب أفكاره السياسية في كتابية: (الجمهورية) و(القوانين)، وفهم شيشرون الدولة على أنها كيان له شخصية معنوية تضم مجموعة أفراد يملكون الدولة وقانونها بالمشاع ([25]).
وإذا كان شيشرون صاحب فضل على الفكر الروماني فإن فضله يتعدى الدولة الرومانية إلى الغرب الأوربي كله؛ لما قام به من جهد؛ حيث صاغ نظرية الرواقيين في القانون الطبيعي لتنحدر عنه عبر الدولة الرومانية إلى الفكر الأوربي، الذي ظل يقتاتها زمناً طويلاً ويبني عليها فكره الرامي إلى تحرير الإنسان وحماية حقوقه.
ومن الأمور التي سهلت دخول فكرة القانون الطبيعي على الدولة الرومانية، ويسرت تآلفه مع القانون الروماني الوضعي أن الدولة كانت مترامية الأطراف وكانت تحكم قطاعات من الأرض متباعدة ومتباينة في ثقافاتها وطبائعها وعاداتها، فجاء القانون الطبيعي ليكون قانون الامبراطور، الذي يعلوا فوق القانون الوضعي، ويتدخل لعلاج اختلال العدل الذي ينجم عن عدم قدرة القانون الوضعي على تحقيق توازن بين هذه الأطياف من الشعوب، ثم زادت حاجة الدولة الرومانية إليه مع بداية تكوين امبراطورية الله، لدى اعتناق الدولة للديانة المسيحية التي لم تكن تشتمل على تشريعات تنظم العلاقات على أساس تعاليم الدين الجديد.([26])
واقتبس الرومان كثيرا من الفلسفة السياسية الإغريقية، وأضافوا إليها مبادئ علموها من معالجة ما واجههم من مشكلات؛ ففصلوا الفرد عن الدولة، وجعلوا لكل منهما حقوقاً وواجبات، وكانت الفكرة الأهم هي أن السلطة للشعب يتسلمها الإمبراطور بالتوكيل([27]).
لكن هذه المبادئ عند التطبيق شابها كثير من الانحراف، والتزوير، وإذا كانت الدولة الرومانية قد تميزت بأنها دولة القانون، فإن القانون فيها كان ملبياً لرغبات ونزوات الملوك والأباطرة، ولقد قام النظام السياسي الفعلي في الدولة الرومانية القديمة على أساس تركيز السلطة في يد أقلية من الأسر الأرستقراطية، ونظراً لاتساع الإمبراطورية فقد تم تقسيمها إلى مقاطعات، لكل مقاطعة حاكم روماني له صلاحيات ليست بالقليلة ([28]).
وفي حوالي سنة 500 قبل الميلاد استطاع الشعب أن ينتزع حق المشاركة في السلطة؛ فقامت جمهورية على أساس ديمقراطي، حتى جاء عصر يوليوس قيصر، فأدار الإمبراطورية إدارة دكتاتورية عسكرية، ثم لم يزدد الأمر مع مرور الزمن إلا تدهوراً، حتى صارت للملك صفة مقدسة بإسناده سلطته إلى أصل إلهي ([29]).
وفيما عدا ما كتبه شيشرون؛ لم يشتهر العصر الروماني بالفلاسفة المنظرين للنظم السياسية، ولكن شروح قانونهم العظيم كانت تحوي الكثير من الآراء السياسية، فلقد دون رجال القانون القانون الروماني ثم عكفوا على شرحه وانكبوا على بيان أصوله، وطعموا شروحهم بالكثير من الآراء السياسية، لاسيما ما يتعلق منها بحقوق الأفراد وتسويغ سلطة الحاكم وغير ذلك، وطغى عليهم الاهتمام بفكر الرواقيين وفلسفة شيشرون، وبالرغم من أن البنيان القانوني للدولة الرومانية لم يبلغ تمامة إلا بعد بداية العصر المسيحي إلا أن المؤكد تاريخياً أن تلك الأفكار والمصطلحات السياسية لم تكن – قط – من نتاج المسيحية، وإنما كانت في صميمها تراثاًرواقياً خالصاً، وليس هناك دلائل تشير إلى وجود أي أثر للفكر المسيحي ولا للجماعات المسيحية في فقهاء التشريع الكبار خلال القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد، وقد نستطيع تلمس الأثر المسيحي كمرحلة متأخرة في أيام قسطنطين وما بعده، ولكن هذا الأثر لم يكن متماشياً مع الاتجاهات التي تبدت في ثنايا شروح القانون الروماني، وإنما انحصر الأثر – فقط – في العمل على إيجاد وضع قانوني للكنيسة ورجـالها، ” ولتحقيق الدقة في التاريخ؛ فإنه لا يوجد ســبب لاعتبار عصر المســيحية بداية مرحــلة جديدة في الفكر السياسي”.([30])
ومع دخول قسطنطين في المسيحية تحولت الدولة الرومانية رسميا إلى المسيحية، ولم يكن قسطنطين مخلصاً في اعتناقه للمسيحية، وإنما كان يهدف إلى بناء إمبراطوريته على أيديولوجية تقدر على توحيد أطرافها المترامية على فكر واحد ووجهة واحدة؛ وفي ذات الوقت يستمد سلطته من مصدر لا ينازع في عصمته وفوقيته أحد؛ لذلك لم يسمح للمذاهب النائية عن التثليث بالغلبة ولم يعطها حتى حق التعبير عن نفسها، ” ومن الحقائق التاريخية الثابتة أن أثر قسطنطين كان حاسماً في هزيمة الآريوسيين في مجمع نيقية، ومع ذلك فلا شك أنه ما من مسيحيٍّ يستطيع أن يؤمن – دون مســاس بعقيدته – بأن فكرة الثالوث إنما فرض قبولها بمرســوم إمبراطوري” ([31]).
ولكن سيف القدر عاجل الإمبراطورية العملاقة؛ فلم تهنأ بزواجها مع المسيحية طويلاً، فها هي تتعرض لموجات عاتية من الهجمات البربرية للجرمان الذين نجحوا في إسقاط الإمبراطورية الكبرى في القرن الخامس الميلادي، وكان لسقوط روما تحت هجمات القوط البربرية ضجة وهزة في أركان العالم الروماني، إذ فقدت روما مكانتها وسمعتها، وانتشرت أنباء الكارثة في العالم؛ وبدا للكثيرين أن نهاية العالم قد دنت، وشاع بين الناس نظرية تقول: إن المدينة الخالدة التي احتفظت بأباطرتها الوثنيين كان ينبغي أن تسقط عندما اعتنق أحد حكامها الديانة المسيحية، وأقبل الناس بعضهم على بعض يتسائلون: أهذا هو كل ما استطاعت المسيحية أن تقدمه لروما ؟! ([32])
ومع سقوط الإمبراطورية الرومانية في القرن الخامس الميلادي تحت مطارق الغزو الجرماني وهجمات البربر؛ طويت صفحة من تاريخ الفكر الإنساني؛ لتبدأ مرحلة من الانحدار والانحطاط الفكري مع بداية العصور الوسطى، وعلى أثر هذا السقوط المدوي الذي اعتبره كثير من المؤرخين بداية العصور الوسطى انفصلت الكنيسة الغربية في روما عن الكنيسة الشرقية في القسطنطينية، وانفصل الجزء الشرقي من الإمبراطورية مكوناً الدولة الرومية البيزنطية، وانكمش سلطان روما إلى وسط إيطاليا؛ تاركاً مقاطعاته الغربية الكبرى تخوض القرون العشر المظلمة متشرذمة، تتقاذفها أمواج الجهل والخرافة.
- ([1]) راجع: المدخل في علم السياسة، د. بطرس غالي، ود. محمود خيري: ص17 وما بعدها. ط مكتبة الأنجلو مصرية 1998م
- ([2]) السابق ص24، وما بعدها.
- ([3]) السابق ص27، وما بعدها.
- ([4]) راجع علم السياسية د. إبراهيم درويش ص 130-136 – ط دار النهضة العربية 1975م
- ([5]) راجع تطور الفكر السياسي لجورج سباين ترجمة جلال العروسي ج1 ص 45-46 ط الهيئة المصرية العامة للكتاب 2010 م
- ([6]) راجع تطور الفكر السياسي ج1 ص 56 .
- ([7]) راجع تطور الفكر السياسي ج1 ص 61.
- ([8]) راجع تطور الفكر السياسي ج1 ص 49 .
- ([9]) راجع تطور الفكر السياسي ج1 ص 75 .
- ([10]) راجع تطور الفكر السياسي ج1 ص 90.
- ([11]) جمهورية أفلاطون الكتاب السادس – ترجمة د. فؤاد زكريا – دار الوفاء – الإسكندرية – مصر – ط 2004م ص 368
- ([12]) راجع: علم السياسة، (ص39-58).
- ([13]) راجع تطور الفكر السياسي ج1 ص 94-97.
- ([14]) راجع تطور الفكر السياسي ج1 ص 82-83 .
- ([15]) راجع تطور الفكر السياسي ج1 ص 129 .
- ([16]) تطور الفكر السياسي ج1 ص 158
- ([17]) راجع: الفلسفة السياسية في العهد السقراطي – ريمون غوش – دار الساقي – بيروت – لبنان – ط أولى 2008م صــ 151 وما بعدها
- ([18]) راجع: علم السياسة (ص59)، وما بعدها.
- ([19]) راجع: تطور الفكر السياسي ج1 ص160.
- ([20]) راجع: علم السياسة (ص63).
- ([21]) تطور الفكر السياسي ج 1 ص 189.
- ([22]) انظر علم السياسة ، (ص 66) ، وما بعدها.
- ([23]) تطور الفكر السياسي ك 2 ص 38
- ([24]) تطور الفكر السياسي ك 2 ص 52
- ([25]) راجع: علم السياسة ، (ص 72) ، وما بعدها.
- ([26]) راجع تطور الفكر السياسي ك 2 ص 35
- ([27]) راجع: مدخل إلى علم السياسة د. عصام سليمان – ط دار النضال بيروت 1989 م ، (ص54-56).
- ([28]) راجع: علم السياسة ، (ص 136) ، وما بعدها.
- ([29]) السابق.
- ([30]) تطور الفكر السياسي ك 2 ص 50
- ([31]) تطور الفكر السياسي ك 2 ص 85-86
- ([32]) دولة القوط الغربيين – د. إبراهيم علي طرخان مكتبة النهضة المصرية 1958 م
Leave A Comment