د. حاتم عبدالعظيم
أصحاب الكهف ودرس الزمن:
تركز قصة أصحاب الكهف تركيزا كبيرا على البعد الزماني بوصفه أحد أبعاد الحياة الإنسانية على الأرض
– يطالعك في بداية القصة “فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا” كتب الله عليهم النوم سنين مقدرة ومحسوبة بدقة.
-وكان التحدي في أمرهم تحديا زمانيا كذلك “ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا”
– لقد كانوا في فجوة من حساب الزمان لا يشعرون بتتابع الليل والنهار ومرور الشهور والسنين “وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ” خرجوا من حساب الزمن بقدرة الله لحكمة أراد سبحانه أن نتعلمها
– وعندما بعثهم الله من مرقدهم كان السؤال عن الزمن والخلاف على الزمن “وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ”
– وبعد نهاية القصة كانت العبرة التي أُمر رسول الله بتعلمها من قصتهم عبرة زمانية كذلك تتمثل في النهي عن تسور الغيب، والأمر بتفويض علم المستقبل القريب والبعيد لمشيئة الله :”وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ”
– ورغم أن القرآن سكت عن بيان عددهم إلا أنه بين المدة الزمانية التي استغرقها نومهم :” وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا” تأكيدًا على مركزية البعد الزماني في قصتهم وأن العبرة من القصة مرتبطة به ارتباطا كبيرا
– وفي الختام جاء التوجيه الرباني مرة أخرى بتفويض أمر الزمن إلى الله تعالى بوصفه جزءا من الغيب :” قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا”
ومن ثم فالخط الزماني أصيل في قصة أصحاب الكهف وممتد فيها من أولها إلى آخرها كما رأيت.
والسؤال الأهم : لماذا هذا التركيز على البعد الزماني في قصة هؤلاء الفتية؟
وفي محاولة الجواب أقول:
تدور قصة أصحاب الكهف حول قضية الصراع بين الحق والباطل: الحق المحاصر المطارد قليل العَدد والعُدد، والباطل المسيطر المنتفخ المنتشي بقوته وجبروته، وكلما احتدم هذا الصراع واقترب من محطاته الفاصلة يلح على الأذهان سؤال الزمن: متى تتغير هذه المعادلة؟ متى تذهب ريح الباطل؟ متى ننتصر؟ كم من الزمن نحتاج لذلك؟ وهل يمكن أصلا أن يُهزم باطل يملك كل هذه القوة؟
ولعل هذه الأسئلة ومثيلاتها دارت بخلد أصحاب الكهف وهم في طريقهم للسبات العميق
ويأتي الجواب من خلال القصة لهم وللناس جميعا لا تنشغلوا بالزمن فإنه من تقدير الله وتدبيره
انشغلوا بالسعي والعمل وبالمبادرة والجد وبالأخوة الجامعة وفوضوا سؤال “متى” لمالك الزمان ومدبره!
وتيقنوا أن الباطل سيمحق لا محالة وستمحى آثاره وتلحق اللعنات أصحابه ولو بعد حين
افترضوا أن الله أدخلكم في فجوة من الزمن كما أصحاب الكهف وتأملوا برسم السنن مآلات هؤلاء المفسدين لتروا حقا متمكنا وباطلا زائلا فقدموا من السعي والجهد ما يمهد لذلك التغيير القادم لا محالة.
لو شاء الله لطوى لكم صفحات الغيب ولأراكم مصارع الطغاة ولأراكم تغير وجه الحياة ولأراكم كيف يذكركم اللاحقون بالخير بعد افتراءات أهل زمانكم وبذاءتهم
وقد كان ذلك كله لأصحاب الكهف.
فعلى أهل الحق أن يروا ببصيرة الإيمان ما رآه أهل الكهف بالعيان فتطوى لهم بموعود الله حجب الزمان!
Leave A Comment