فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعَدَ اللَّهِ حَقًا

 

لا يكاد “التناخ” (العهد القديم – اليهود المقدس) يشتمل على أي ذكر لدار الآخرة، اللهم إلا إشارات جدا، بينما هو بسيط طافح بفكرة الثوابت والعقاب الدنيوي. لماذا الانتظار الأخير يُكافأ فيه المحسن ويُعاقب فيه المسيء؟ 

بل إن كان هناك عدلٌ، فليكن “هنا والآن”، وليس في الآخرة.

فاليهودي إنسان “دنيوي” “أرضي” “مادي” بامتياز، حتى لو كان “تقيا” “صاحب حالة”، يلتزم بدينه لينعم في الدنيا، لا أخرى، فهوه (أحرص الناس على حياة، ومن الذين أشركوا)، حتى لو كان مدينا. 

حلمه “أرضي”، وجائزته “دنيوية” محضة!

فترة الصه*يوني نفس الفلسفة الداخلية: “مركزية الدنيا”، مع الإختلاف الرئيسي: هو رفضه “للشتات”، ووسعيه لأنه لأنه بأسباب مادية إيران، لا بانتظار المسيح (المسيّا) أو معجزة إلهية.

هذا “المادي ليون”، “أستمتع الناس بحياة” يشتهي أن تواجه أحد خصمين:

-إما زاهد في الدنيا، يرى معاناته في الدنيا وسيلة لنعيمه في الآخرة.

وهذا لن يسانده في حلمه البديلني، بل يحدث بينهم “مقايضة”: 

أترك لك الدنيا وتترك لي الآخرة! 

لسببه، يُهجّره، يحتل أراضيه: هو لن يقاومه، بل سيفتح له باب، مثل تسلط عليه وأذله: زاد نصيبه من نعيم الآخرة!

-وإما طالب دنيا لا يعبأ بالآخرة، ينشد الدنيا وزينتها على الأرض، ولا غاية له سوى ذلك. 

فهذا سينازعه الدنيا، إلا أنه لا يملك أي رصيد احتياط معنوي إن هُزِم ماديا، فلا غاية مطلوبة تُسمى غيرها يستند إليها إذا ما خسر دنياه، بل هو طالب سلطة ومال وفاه لاحقة، إن جرحت دنياه فقد طعنت قلبه، ولم يسلبه دنياه فقد قبضت روحه، و قذفت إلى غياب .

لكن كيف إذا اصطدم هذا “المادي” “الأرضي” بخصمٍ مركّب من النموذجين السابقين؟

خصم يصارعه على الدنيا ولا يُفرّط له فيها، المشاهير لانتزاعها منه “هنا والآن”، مع أن مركز اهتمامه وغته الكبرى “هناك، في الآخرة”؟

يغزوه كبير من البر والبحر والجو ويشرّد به من خلفه مثل الناس طلبا للدنيا، إلا ما قُتِل = سمعت زغاريد أمه وإخوانه أن قد نال المميزين، باسم الناس زاهدا في الدنيا!

يحتوي لكل سبب ضررا ماليا حتى تحسبه لا يؤمن بعالم الغيب، فإن نلت منه ماديا تجده لا يعبأ، وترغب في ألا يختص بعالم الغيب!

لا هم أصحابهم (رهبانية ابتدعوها ما كتبنا عليهم)، يفرّتون في أرضهم القديمة ولا ابتغاء الفريق، يقولون (ربنا آتنا في الدنيا) وما لهم في غيرة من الأخلاق، إن في كثير منهم ماديا فقد سَلَبت كل ما يعرج من الأخلاق!

بل هم أصحابهم (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب)، شريعتهم كما صياد بحفظ الدين، فقد تستطيع بحفظ الدنيا، وحفظ النفس، والعقل والنسل، بل والمال! (من قُتِل دون ماله فهو شهيد)!

جميع حراس رسالة السماء لغاية الأرض، حملوا أمانة أشفقت منها السماوات والأرض والجبال، أوكِل مدافعة عن الظلم لكيلا تفسد، والتصدي للمجرمين كي لا تُهدّم صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيرا.

أرجو من الله ما لا ترجون، نعم! ويؤمن يُؤْلِمُونك كما يَألمون!

ما يخصهم بما فيها من قدر الله، نعم! لكن إن مسهم قرحٌ = قَرَحوك بمثله!

يينغسون على عدوهم دنياه طالبين آخرتهم، ويفسدون حلمه ليون تحقيقا لحلمهم السماوي، يعيش مطمئنين لو هُزِموا، بينما يعيش قلقا ولو انتصر، أن يعيدوا الكَرّة!

ليس ذلك إلا للمسلم! 

وهي عقيدة الإسلام المُركّبة يا كرام، وشريعة السيد ولد آدم!

تركيبتها تلك هي سر عطلة جازها، وواقعها هي آية بارزة من عند الله، خالق العالم، وخالق من يسكنه!

تصور مركّب، لكنه يسير فطري، يُستدعى عند عامة المسلمين في كل المتنافسين، ويبرز عند لحظات البأس دون تكليف، مدافعا المسلم للأخذ بالسبب، ثم يؤمّن له كل خيارات النتائج، إما نصر أو استشهاد!

الفرق المشترك فريقه العلماء هو أن يدخل مع طائفة من البوليستر في حرب طويلة عبر الأجيال، كما يحدث في فلس*الطين، فإن حالة الاستنفار الدائم تلك تزيل عنهم ترف الدنيا وحميهم مما حق بغيرهم من فردانية الحداثة، وتردهم إلى تلك العقيدة الصافية، فهم في إعداد لجولات الطيران المناخي، فكلما طرأت كانوا أسرع الناس إفاقة، هل هم يُخلقون من جديد، يعودون بالضرورة بأسبا وأشد تنكيلا!

لذلك، فأملنا في نصر أهل فلان لاي ليس من أوهام اليمن، بل هو متبلور حقيقي لصعود الشهود، كما يستند إلى عقيدة صافية ترفرف اليوم في سماء غزة تنساب في أرضها، عقيدة من أخذ ولزم الدعاء، وطلب أخرى بإصلاح الدنيا، فالتابعة له، لا حالة!

(فَٱصۡبِرۡ إِنَّ وَعَۡدَ ٱللَّهِ حَقّاً وَلَا ِيَسۡتَخِفَنَّكَ ٱلَّذِينَ لَيُوقِنُونَ)